دور المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية فى وضع قواعد موحدة للمعاملات
المطلب الثانى
فاعليات توحيد المعاملات المصرفية الإسلامية فى ظل المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية
لا يمكن لأسس وقواعد أن تنفذ لأرض الواقع دون أن يصاحبها فاعليات ونشاطات تكفل لها الخروج إلى النور. وبالفعل أخذ المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية على عاتقه القيام بهذا الدور([19]).
وتمثلت فاعليات هذا الدور فى عدة أمور تعد هى المدخل الحقيقى لعملية التوحيد فلكى يبدأ التوحيد لابد من دراسة الواقع ولهذا عكفت الأمانة العامة للمجلس على القيام بدراسة مقارنة لقوانين العمل المصرفى الموجودة حالياً فى بعض التجارب، ثم عكفت بعد ذلك على القيام بإعداد مشروع نموذجى لتنظيم العمل المصرفى الإسلامى فى محاولة منها لتقديمه للمؤسسات المالية الإسلامية لكى يتسنى لها الأخذ بما جاء فيه من أجل توحيد القواعد المصرفية فيما بينها([20]).
كما سعى المجلس إلى إصدار دليل عن المؤسسات المالية الإسلامية، حيث إن العدد الإجمالى لهذه المؤسسات بلغ 250 مؤسسة مالية، ويقوم هذا الدليل ببيان النظام المالى والإدارى للمؤسسة وربما كان هذا مفيداً للتنسيق بين هذه المؤسسات فى مجال العمل المصرفى([21]).
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فالمجلس يسعى إلى تصميم أول دليل تسويقى تعريفى بالمنتجات المالية الإسلامية، حيث يهدف الدليل إلى تصنيف تلك المنتجات بحسب طبيعتها ونوعية الحاجات التى تلبيها والجهات التى تطرحها بغرض تفعيل دور المؤسسات المالية الإسلامية بصورة أكبر([22]).
وربما كان للمؤتمرات التى يعقدها المجلس دور فى نشر ثقافة توحيد القواعد المصرفية الإسلامية وهو الأمر الذى بدى جلياً فى المؤتمرين الذين عقدا فى 2002 و2003 ([23]) حيث استهدفا إيجاد منتدى مثالى للتواصل مع الرأى العام الغربى والأمريكى لتعريفهم بأسس ومزايا العمل المصرفى الإسلامى وتوضيح المسائل الأساسية والهامة المتعلقة بالممارسات المصرفية الإسلامية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن مثل هذه المؤتمرات ستؤدى إلى تعزيز التوعية بالممارسات الفريدة للقطاع المصرفى والتمويل الإسلامى فى العالم كما ستعمل على حث الكثير من المؤسسات المالية الإسلامية إلى الانضمام للمجلس والسعى نحو توحيد قواعد العمل المصرفى فيما بينها وفقاً للمعايير الشرعية المتفق علي
كذلك سعى المجلس نحو تنسيق العمل بينه وبين غيره من المؤسسات والهيئات المعنية بتوحيد القواعد المصرفية الإسلامية وهو الأمر الذى يظهر جلياً منذ نشأته ففى إبريل 2002 نظمت الأمانة العامة للمجلس بالتنسيق مع هيئة المحاسبة والمراجعة ندوة المدققين الشرعيين فى البحرين لبحث آليات التدقيق فى المؤسسات المالية الاسلامية, والتنسيق في صياغة دليل الرقابة والتنسيق فى صياغة دليل الرقابة الشرعية من أجل تلبية الحاجة الملحة لهذا النوع من المنتجات ([24]).
كما نظمت الأمانة العامة فى يوليو 2002 الملتقى الأول للرؤساء التنفيذيين بالمؤسسات المالية الإسلامية فى تونس حضره ممثلين من كل من البحرين، والسعودية، والكويت وقطر، والأردن، ومصر، والجزائر، وتونس، وماليزيا... ويهدف هذا النوع من الملتقيات لإيجاد منبر يجتمع فيها قادة العمل المصرفى لبحث القضايا المستجدة وقد خصص الملتقى الأول لموضوع "تحسين الصورة" الذى أصبح من الموضوعات ذات الأولوية القصوى خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر، وقد تم استضافة خبيرين فى هذا المجال من دولة قطر وتركيا([25]).
إن الحديث عن فاعليات المجلس ليس بالحديث الطويل فعمره لا يجاوز العامين وبضعة أشهر ورغم ذلك يظهر دوره واضحاً ولهذا نجد الأمانة العامة تسعى نحو تنفيذ العديد من المشروعات يأتى فى مقدمتها([26]):
1ـ التركيز على المجالين الإعلامى والمعلوماتى، وذلك من خلال متابعة وتطوير المشروعات السابقة مثل موقع الإنترنت، والنشرة الإلكترونية، وتحديث المعلومات والبيانات المالية عن المؤسسات المالية الإسلامية.
2ـ كما يعتزم المجلس العام إعداد النسخة الإنجليزية من موقع الإنترنت والنشرة الإلكترونية لطرحها وتمكين الناطقين بهذه اللغة من الإطلاع على مسيرة العمل المصرفى الإسلامى وإنجازاته وأخباره وكل ما يتعلق بمستجداته.
3ـ يعتزم المجلس أيضا متابعة عرض الفيلم الوثائقى الذى تم إنتاجه فى عدد من القنوات الفضائية، وكذلك إعداد نسخة مختصرة من الفيلم وتوزيعها على صناع القرار وكبار المسئولين المستهدفين.
4ـ يسعى المجلس العام إلى إطلاق " برنامج للتفكير الاستراتيجي يعنى بقضايا الصناعة المالية الإسلامية " ( Think Tank Program )، وهو عبارة عن ملتقى دوري بين قادة العمل المصرفية الإسلامى يتم تدعيمه بخبرات مفكرين وأكاديميين ورجالات دولة من رؤساء أو وزراء سابقين أو حاليين ممن يكونوا مشهود لهم بالقدرة على بناء الاستراتيجيات وتفعيلها. ويهدف هذا البرنامج إلى عرض ومناقشة القضايا الأساسية التى تخص مسيرة الصناعة المالية الإسلامية.
5ـ يعتزم المجلس العام خلال المرحلة المقبلة التخطيط لمجموعة من مشروعات التواصل الجماهيري من خلال برامج تلفزيونية إعلامية متكاملة تحقق قدراً أكبر من التفاعل بين المؤسسات المالية الإسلامية وجمهور المسلمين. ويأتي هذا التوجه فى ضوء اليقظة الجديدة فى نفوس المسلمين الناتجة عن المناخ الدولى المعادى للإسلام والمسلمين مما جعل قضية الهوية الإسلامية مطروحة بجدية لدى أبناء الأمة. ولذلك فإن هذا الظرف هو الأنسب للتوجه برسالة البنوك الإسلامية والتبشير بأهميتها، وبيان تميزها، وتصحيح الأفكار حول أسلوب عملها، خاصة وأننا نعلم جميعا أن الكثيرين لا يرون فرقاً واضحاً بين المعاملات المصرفية الإسلامية والمعاملات التقليدية، بل إن عدد من العاملين فى الصناعة نفسهم غير ملمين بهذه الفوارق وبالتالى عاجزين عن التأثير الفعال فى جمهور عملائهم. وسيقوم المجلس بوضع التصورات النهائية والأولويات لهذه البرامج وعرضها على المؤسسات الأعضاء للحصول على الرعايات وحشد الموارد.
إن المطالع لكل هذه البرامج والخطط الذى أخذت الأمانة العامة على عاتقها تنفيذها يلاحظ أن توفير المعلومات المتعلقة بالبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية والهيئات الإسلامية ذات الصلة من أهم الأعمال الموكلة للمجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية إن لم يكن أهمها. وهو أحد الأهداف التى سعى المجلس منذ تأسيسه إلى تحقيقها رغم الظروف الخاصة والضغوطات التى رافقت نشأته والناتجة عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر مما أدى إلى تركيز الكثير من الوقت والجهد على العمل لدرء تلك الهجمة الإعلامية الشرسة التى تعرضت لها المؤسسات المالية الإسلامية فى الغرب. ولكن الأمانة العامة واصلت عملها الدءوب وجهودها الحثيثة لتحقيق هذا الهدف وملء الفراغ الناتج عن عدم توافر أى معلومات موثوقة عن الصناعة المصرفية الإسلامية للسنوات الأربع الأخيرة منذ عام 1998([27])
ولقد استهدفت الأمانة العامة فى خطواتها الأولى الاتصال بعدة جهات مهتمة بمجال المعلومات عن الصناعة المالية الإسلامية لإيجاد آلية تعاون وتنسيق معها والبدء من حيث انتهى إليه الآخرون. ولكن بعد الاتصالات والمناقشات اتضح أن مجالات التعاون محدودة ومكلفة حيث إن تلك الجهات قد بدأت فى مشاريعها المعلوماتية منذ سنوات وترتفع تكلفة مشاريعها إلى مئات الآلاف من الدولارات لا يمكن للمجلس العام أن يشارك فيها([28]).
وعلى هذا الأساس اتجهت الأمانة العامة لتنفيذ هذا العمل بمواردها المحدودة، واعتمدت فى ذلك على خطة تدريجية فى تنفيذها لبرنامج المعلومات ولاسيما بعد مواجهتها لعوائق كثيرة فى بداية عملها تمثلت فى عدم استجابة المؤسسات المالية لتقديم بياناتها المالية نتيجة أولاً كثرة التفاصيل المطلوبة وطول الاستبيان الذى تم إرساله بادئ الأمر، وثانياً لظروف المرحلة التى تميزت بتخوف بعض تلك المؤسسات من تقديم بياناتها بعد الحملة الشرسة على العمل المصرفى الإسلامى عموماً. ولكن تمكنت الأمانة العامة بعد ذلك من الحصول على ردود إيجابية واسعة بعد استقرار الوضع نسبياً واستبدال الاستبيان المطول باستبيان آخر مختصر. كما استطاعت أن تبنى أيضاً خلال عام 2003 علاقة متينة مع عدد كبير من هذه المؤسسات المالية التى عينت لها عنصر اتصال للتنسيق فى مجال المعلومات.
وانطلاقاً من ذلك حققت الأمانة العامة إنجازاً ملموساً فى مرحلة الجمع والتصنيف والإدخال للبنوك وشركات الاستثمار التى بلغ عددها حسب إحصاءات المجلس حوالي 264 مؤسسة بعد أن كان عددها فى عام 1997 حوالى 176 ( ويتضمن هذا العدد جميع البنوك الباكستانية بينما لم يتم اعتبارها ضمن إحصاءات المجلس العام التى تعتمد على ما يردها من البنوك المركزية واعتمدت فى مكانها شركات المضاربة الإسلامية) ([29]).
وتجدر الإشارة إلى أن الأمانة العامة انتهت من إدخال البيانات الإدارية والمالية للبنوك وشركات الاستثمار الإسلامية بما يغطى السنوات الأربعة الأخيرة من 1998 إلى عام 2001، كما أنها قطعت شوطا كبيرا فى تجميع البيانات المالية لعام 2002 وذلك بالاستفادة من شبكة العلاقات التى تم تكوينها فى هذا الخصوص.
وقد تم من ناحية ثانية نشر البيانات الإدارية والمالية فى موقع المجلس العام بالإنترنت الذيى تم تدشينه رسميا بالتزامن مع مؤتمر دبى 2003، وستعمل الأمانة العامة على طباعة دليل سنوي إدارى ومالى للمؤسسات المالية الإسلامية بدءاً من البيانات المالية الخاصة بعام 2002. كما سينتقل العمل بعد ذلك إلى جمع المعلومات المتعلقة بالقطاعات الأخرى فى الصناعة والمتمثلة فى شركات التأمين الإسلامية وصناديق الاستثمار الإسلامية.
ويمكننا القول بأن جهود الأمانة العامة أثمرت بالرغم من قصر عمرها وقلة مواردها نسبياً سواء أكانت موارد بشرية أو مالية حيث إن تمويل هذا العمل المعلوماتى اقتصر فقط على الموارد التشغيلية المتواضعة للمجلس والناتجة عن اشتراكات الأعضاء، وهى أموال لم تكن مخصصة للمعلومات وحدها.
كل هذه النشاطات وغيرها، والتى توالت منذ نشأة المجلس مع بدايات هذا القرن إنما هى دليل حقيقى على صحوة إسلامية فى مجال العمل المصرفى الإسلامى وجدت صداها لدى المهتمين وفى تقديرنا فإننا نؤكد بأن ما توصل إليه المجلس العام حتى الآن يعتبر هو الخطوة الصحيحة فى الاتجاه السليم.خاصة أنه ما زال يخطو خطواته الولى على الصعيد الدولى. وإن كان يحدونا الأمل فى أن تتكاتف الدول الإسلامية ببنوكها ومؤسساتها المالية، وكذلك الهيئات الإسلامية من أجل تقديم العون والمشورة للمجلس بغية تحقيق المجلس لأهدافه التى يصبو إليها
كتبه أ.د / رشا على الدين